مسرحية في قلب مسرحية !
يُخرجها من قبرها ... نبضها, صوتها , كل شيء فيها ضعيف ... جثة مع وقف التنفيذ ! ببشرة شاحبة , و عيون جاحظة ... يأتي بعلبة ألوان كان قد سرقها من طفل صغير كان في طريقه إلى المدرسة . يلون بها وجهها , يرسم حدود شفتيها و حروف عينيها , يبرز خديها .. في محاولة يائسة منه لبعثها إلى الحياة !
يضع جسدها على سرير ملاءاته عذراء ناصع بياضها .. يمارس عليها سحرا قديما يدعى فحولة , يسميه هو رجولة , لا فرق لديه .. فهو كغيره لا يفرق بينهما كما لا يفرق بين الأسِرَّة المتسخة في الفنادق المشبوهة وبين ساحات الحروب العظيمة ! ينهي طقوسه و يعلن انتصاره العظيم , يكرم نفسه بنفسه ,و يقدم لها جائزة الانتصار .. ملاءة بيضاء ملطخة بالاحمر , أو حمراء ملطخة بالبياض , هكذا يراها .. يضعها في اطار فخم كشاهدة على مجده ! يعرضها في المتحف القومي , تحدق بها بإمعان العيون الفارغة , تصفق لها بحرارة العقول الفارغة , يهنئونه على انجازه التاريخي و يوشحون صدره العاري بوسام " الشرف " من درجة " رجل " ... !! و ينتهي أول فصول المسرحية .
ينادي بمن يبتاع لها بكارة صينية , يحدث نفسه سرّا : ماذا لو كانت هناك ايضا فحولة ( رجولة ) صينية ؟ تعجبه الفكرة فيبتسم لها بمكر .. سرعان ما يسكت ثرثرة افكاره , فالحيطان في قبيلته لا تسترق السمع فحسب , بل هي ايضا تقرأ الأفكار و تفتح الفنجان و تشتغل بعد الظهر واشية للمخابرات ! يخشى أن يسمع الآخرون أفكاره .. فقد يغفرون له كل شيء : سفك دماء الابرياء , نهب قوت اليتامى , حتى خيانة الوطن .. إلا ألا يكون " رجل " !!
يلقي القبض عليها و يعرضها للمحاكمة ؛ محاكمة هو فيها القاضي و المحامي و المدعي العام و هيأة المحلفين , و هو أيضا من كتب القسم و سن القوانين ! يكيل إليها الاتهامات دون أن ينتظر ردها .. يصدر حكمه عليها من الجلسة الأولى بالوأد جريا على عرف الجاهلية !!
ينتفض الحاضرون فجأة – كمن بهم مس من الجن – يهتفون بإسمه احتفاء بشهامته , لقد منّ عليها بإعطاءها فرصة للحياة .. يا له من بطل , يا له من منتصر للمرأة !! يوشحون صدره العاري مرة أخرى بوسام البطولة من درجة انسان .. !
تنتهي فصول المسرحية , يسرعون إلى مقاعد المتفرجين ليلعبوا دور الجمهور , يصفقون على أنفسهم بحرارة تذيب أياديهم الآثمة , يحيون أنفسهم و ينحنون لأنفسهم في غرور , يوقعون اتوغرافات لأنفسهم باقلام يعتصرون حبرها من على ملاءات اسِرّتهم ... و تبدأ مسرحية اخرى على انقاض المسرحية !
بقايا امرأة .. !
يـــا صــديــقــي ,
أحبابي قبلك كسروني
حزينة هي كل ذرة في جسدي وروحي,
كن صديقي فحسب,
كن صديقي فحسب,
الجرحُ فيَّ عتيق, لا يشفى ولا يندمل..
وسمائي تجودُ بالذكرى مطرا مالحا اجاجا,
ينزغُ بين ثنايا الجرح, يرويها ألما فلا تبرأ !
أحبابي قبلك كسروني
وكسروا في الحب ما أعبد,
استباحوا دمعي
وارتشفوه كأسَ الانتصار على شرف هزائمي
ورقصوا بلا مبالاة
على وقع أنين احلامي التي لم تصمد !
فلطفاً لا تطالبني بالحب لأني
كفرتُ بالحب بعدهم وهجرتُ المعبد.
حزينة هي كل ذرة في جسدي وروحي,
مكلومة الحبيبيْن أنا, فهلاَّ تكن صديقي؟
كن صديقي فحسب,
فالطفلة داخلي لا زالت تبكي أباً لم يحملها على كتفيه,
أباً لم تعُدَّ الشيب على رأسه ولم تقرأ الحياة على كفيّه,
أباً لم يعرف جبينُها طعم القُبلة من شفتيه... !
والانثى فيَّ لا تزال
تلملم شظاياها من على اعتاب رجل
عرفت معنى الخذلان على يديه ..
رجل كان لها كل الرجال ,
ما اتعسها انثى خذلها كل الرجال !
كن صديقي فحسب,
فإني - كأمرأة - ليس لدي ما اعطيه,
استنزفني جرحي وماضيَّ
وتشرّبني الحزنُ كأرض عطشى منذ الازل !
محطمة أنا والشروخ ملء روحي
وليس بيدك ترميمي وإن أردت !
رجلان قبلك هزماني..
رجلان قبلك كسراني..
فهل ترضى - يا صديقي - ببقايا امرأة ؟!!
البارود ... طراخ طراخ طراخ
ها العسة، رجعت لسوق النسا
فيه الداخلات و الخارجات
في المركشيات و الصويريات
فيه الرباطيات و البيضاويات
فيه السوسيات و الصحراويات
ملمومات بعلام المغربيات
سوقنا سوق كبير
يعرفو الصغير قبل الكبير
سوقنا لعديانا شعال لعوافي
ما تقد عليه لا بحور لا مطافي
فسوقنا البنت تلقا سعدها
و المرا تنحي رجلها قبل يدها
تبوريدة عندنا بلا خيل
و المعنى نخبيوه من جيل لجيل
ها العسة رجعت لسوق النسا
واياكم يا الرجال
أحلامكم محال
محال تغير ليكم حال
راحنا غير مطولين عليكم البال
طراخ طراخ طراخ
البارود فعين الحسود
طراخ طراخ طراخ